إنَّ احترامَ المسلم لأخِيه المسلم واجبٌ قرَّرته الآيات القرآنيَّة الكريمة، والأحاديث النبويَّة الشريفة، والواقع التاريخي، وسنُورِد بعضَ ما جاء في هذا الموضوع من النصوص.
ووُجوب احتِرام المسلم أمرٌ معروفٌ معلومٌ، وما نُذَكِّر به إلا لأنَّ ضَيْمًا دخَل على هذا المعنى من قِبَلِ زُمرةٍ من الناس، يتكلَّمون باسم الدِّين، ويدَّعون أنهم من العلماء، وهم زُمرَة قليلة، ولكنَّهم موجودون، لا يرَوْن أحدًا جديرًا بالاحترام إلا إنْ كان في بيئتهم ويُردِّد أقوالَهم، ويُفسِّقون ويُكفِّرون بغير دليلٍ ولا بُرهان.
المسلمون أمَّة متماسكة، متحابَّة متعاونة، إنهم كذلك ما داموا مُتمسِّكين بأحكام دِينهم عامِلين بها.
وحُقوق المسلم على المسلم التي جاءتْ في الكتاب والسنَّة كثيرةٌ، وهي كلها تدلُّ على وجوب احترام المسلم وتقديره.
قال الله - تعالى -: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [التوبة: 71].
والولي يَنصُر مَن كان في ولايته ويَرعاه ويُعِينه ويحترمه.
وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10]، والأُخوَّة تقتَضِي الحبَّ والتعاون والاحترام المتبادَل بين الإخوة والإصلاح عامَّة، وإصلاح ذات البَيْن بشكلٍ خاصٍّ.
وقد نهى الله المؤمنين عن اقتِراف كلِّ ما يخدش هذه الأخوَّة، وعن اقتراف كلِّ ما يُسِيء إلى التقدير والاحترام بين الإخْوة، ونهى أنْ يعيب أحدٌ أحدًا وعن التنابُز بالألقاب وعن الظنِّ السيِّئ، وعن الغِيبة والتجسُّس ونحو ذلك؛ فقال - تبارك وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ[1] وَلاَ تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 11-12].
إنَّ هذا كلَّه لَيَدلُّ على وجوب احترام المسلم، وهناك آياتٌ كثيرة يُفهَم منها هذا المعنى العظيم.
وأمَّا الأحاديث النبويَّة التي قرَّرت هذا المعنى فكثيرةٌ جدًّا:
• منها قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَدخُلوا الجنَّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أوَلاَ أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحابَبتُم؟ أفشوا السلام بينكم))؛ رواه مسلم برقم 54.
يدلُّ الحديث على أنَّ دُخول الجنَّة الذي هو مَطلَبُ كلِّ مؤمن متوقِّف على التحابِّ في الله بين المسلمين، وليس من شكٍّ في أنَّ الاحترام قرين المحبَّة.
• ومنها قولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((سبعةٌ يظلُّهم الله في ظلِّه يومَ لا ظل إلاَّ ظله: الإمام العادل، وشابٌّ نشأ في عبادة الله - عزَّ وجلَّ - ورجلٌ قلبه متعلِّق في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا على ذلك وتفرَّقا عليه، ورجلٌ دعَتْه امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تُنفِق يمينه، ورجلٌ ذكر الله خاليًا ففاضَتْ عَيْناه))؛ رواه البخاري برقم 660، ورواه مسلم برقم 1031.
فقد جعل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الحبَّ في الله سببًا من الأسباب التي تجعل مَن يتَّصف بها في ظلِّ الله يومَ لا ظلَّ إلا ظله.
وممَّا يدلُّ على وُجوب احترام المسلم تحريم الغِيبة، وقد ذكرنا الآية التي نصَّتْ على ذلك، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أتدرون ما الغِيبة؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((ذِكرُك أخاك بما يَكرَه))، قيل: أرأيت إنْ كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إنْ كان فيه ما تقول فقد اغتبتَه، وإنْ لم يكن فيه ما تقول فقد بهتَّه))؛ رواه مسلم برقم 2589.
• ومنها قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ المسلم على المسلم حرامٌ؛ دمه وماله وعرضه))؛ رواه مسلم برقم 2564.
• ومنها قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تباغَضُوا ولا تحاسَدُوا، ولا تدابَرُوا ولا تقاطَعُوا، وكُونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحلُّ لمسلمٍ أنْ يهجر أخاه فوق ثلاث))؛ رواه البخاري برقم 6065، ومسلم برقم 2559.
وهناك أمورٌ تُذكَر أنها من حق المسلم على المسلم، وكلُّها تدلُّ على وجوب احترام المسلم أخاه المسلم؛ سواء كان فقيرًا أو غنيًّا، وسواء كان قريبًا أم بعيدًا، وسواء كان وجيهًا أم ضعيفًا، وسأكتفي بذِكر بعضها فهي كثيرة:
1- من ذلك السلام عليه إذا لَقِيته.
2- ومنها ردُّ السلام عليه إذا ألقى عليك السلام.
3- ومنها إجابة دعوته إذا دَعاك.
4- وعيادته إذا مرض.
5- واتِّباع جنازته إذا مات.
6- وتشميته إذا عطس فحَمِدَ الله.
7- ونصيحته إذا استَنصَحك.
8- وإبرار قسمه إذا أقسم عليك.
9- ونصره إذا ظُلِمَ وكنت قادرًا على نصره.
عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((حقُّ المسلم على المسلم خمسٌ: ردُّ السلام، وعيادة المريض، واتِّباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس))؛ متفق عليه[2].
وعنه قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ: إذا لقيته فسلِّم عليه، وإذا دَعاك، فأجبه، وإذا استَنصَحك فانصَحْ له، وإذا عطس فحمد الله فشمِّته، وإذا مَرِضَ فعُدْه، وإذا مات فاتَّبعه))؛ رواه مسلم برقم 2162، وأحمد برقم 2/321، والبخاري في "الأدب المفرد" برقم 991.
وعن البراء بن عازب - رضِي الله عنه - قال: "نهانا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن سبعٍ (وذكرها) وأمَرَنا بسبع: بعِيادة المريض، واتِّباع الجنائز، وتشميت العاطس، ورد السلام، وإجابة الداعي، وإبرار المقسم، ونصر المظلُوم))؛ رواه البخاري برقم 5863.
واحترام المسلم يقتضي ألاَّ يتَكبَّر عليه أخوه المسلم ولا يحتقره، فقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يَدخُل الجنَّة مَن كان في قلبه مثقالُ ذرَّة من كبرٍ))، فقال رجل: إنَّ الرجل يحبُّ أنْ يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله جميلٌ يحبُّ الجمال، الكبرُ بطَر الحقِّ وغمْط الناس))؛ رواه مسلم برقم 91، وبطر الحق: دفْعه وردُّه على قائله، وغمط الناس: احتقارُهم.
• ويقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بحسْب امرئٍ من الشرِّ أنْ يحقر أخاه المسلمَ))؛ رواه مسلم برقم 2564.
والعجب ممَّن يدَّعِي التديُّن والعلم ويسمع هذه الأحاديث ويَعِيها، ثم يستَعلِي على عِباد الله، ويتكبَّر عليهم بما يقومُ به من العبادة، ويتَّهمهم بأفظع التُّهَم دون دليلٍ، وقد يرميهم بالفُسوق ويحتقرهم.
• يقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يرمي رجلٌ رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدَّت عليه إنْ لم يكن صاحبه كذلك))؛ رواه البخاري برقم 6045.
• ويقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ومَن لَعَنَ مؤمنًا فهو كقتْله، ومَن قَذَفَ مؤمنًا فهو كقتْله))؛ رواه البخاري برقم 6047.
• ويقول - صلوات الله وسلامه عليه -: ((إذا أكفَرَ الرجلُ أخاه فقد باءَ بها أحدُهما))، وفي روايةٍ: ((أيُّما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باءَ بها أحدُهما، إنْ كان كما قال وإلاَّ رجعَتْ عليه))؛ رواه مسلم برقم 60.
وعلى المسلم إذا سمع مثْل هذا الاتِّهام أو نحوه لمسلمٍ يعرف براءته من ذلك أنْ يُدافِع عن أخيه؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 16].
• وقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن ذَبَّ عن لحم أخيه بالغيب كان حقًّا على الله أنْ يعتقه من النار))؛ رواه أحمد 6/461.
وليس من خُلُقِ المسلم التكبُّر على عباد الله بما يعمَلُ من الطاعة، ولا أنْ يتألَّى على الله فيحكم لبعض الناس بالجنَّة ويحكم لبعضهم بالنار.
روى أبو داود بسنده إلى أبي هريرة - رضِي الله عنه - أنَّه قال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((كان رَجُلان في بني إسرائيل متواخيين؛ فكان أحدهما يُذنِب والآخَر مجتهدٌ في العِبادة، فكان لا يَزالُ المجتهد يرى الآخَر على الذنب فيقول: أقصِرْ، فوجَدَه يومًا على ذنبٍ فقال له: أقصِرْ، فقال: خلِّني وربِّي، أبُعِثتَ عليَّ رقيبًا، فقال: والله لا يغفر الله لك، أو: والله لا يُدخِلك الله الجنَّة، فقبض أرواحهما فاجتَمَعا عند ربِّ العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت بى عالمًا أو كنت على ما في يدي قادرًا، وقال للمذنب: اذهَبْ فادخُل الجنَّة برحمتي، وقال للآخَر: اذهبوا به إلى النار))، قال أبو هريرة - رضِي الله عنه -: والذي نفسي بيده لتكلَّمَ بكلمةٍ أوبَقتْ دُنياه وآخِرَتَه؛ رواه أبو داود برقم 4901، وأحمد 2/323، وقال العراقي: إسناده حسن.
وأخرج مسلمٌ حديثًا عن جندب بنحو حديث أبي هريرة، ونصُّه: عن جندب أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حدَّث أنَّ رجلاً قال والله لا يغفر الله لفلان، وإنَّ الله - تعالى - قال: مَن ذا الذي يتألَّى عليَّ ألاَّ أغفر لفلان، فإنِّي قد غفرت لفلانٍ وأحبطت عملك"؛ رواه مسلم برقم 2621.
هذا، وقد ذهب عُلَماؤنا إلى أنَّه لا يجوز أنْ نحكم لأحدٍ بأنَّه من أهل الجنَّة أو من أهل النار إلا بنصٍّ وَرَدَ عن المعصوم - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ولا مانع من أن نرجو لِمَن نظنُّ فيه الخير أنْ يكون من أهل الجنَّة.
[1] أي: لا يعب بعضكم بعضًا.
[2] البخاري 1240، ومسل
ووُجوب احتِرام المسلم أمرٌ معروفٌ معلومٌ، وما نُذَكِّر به إلا لأنَّ ضَيْمًا دخَل على هذا المعنى من قِبَلِ زُمرةٍ من الناس، يتكلَّمون باسم الدِّين، ويدَّعون أنهم من العلماء، وهم زُمرَة قليلة، ولكنَّهم موجودون، لا يرَوْن أحدًا جديرًا بالاحترام إلا إنْ كان في بيئتهم ويُردِّد أقوالَهم، ويُفسِّقون ويُكفِّرون بغير دليلٍ ولا بُرهان.
المسلمون أمَّة متماسكة، متحابَّة متعاونة، إنهم كذلك ما داموا مُتمسِّكين بأحكام دِينهم عامِلين بها.
وحُقوق المسلم على المسلم التي جاءتْ في الكتاب والسنَّة كثيرةٌ، وهي كلها تدلُّ على وجوب احترام المسلم وتقديره.
قال الله - تعالى -: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [التوبة: 71].
والولي يَنصُر مَن كان في ولايته ويَرعاه ويُعِينه ويحترمه.
وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10]، والأُخوَّة تقتَضِي الحبَّ والتعاون والاحترام المتبادَل بين الإخوة والإصلاح عامَّة، وإصلاح ذات البَيْن بشكلٍ خاصٍّ.
وقد نهى الله المؤمنين عن اقتِراف كلِّ ما يخدش هذه الأخوَّة، وعن اقتراف كلِّ ما يُسِيء إلى التقدير والاحترام بين الإخْوة، ونهى أنْ يعيب أحدٌ أحدًا وعن التنابُز بالألقاب وعن الظنِّ السيِّئ، وعن الغِيبة والتجسُّس ونحو ذلك؛ فقال - تبارك وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ[1] وَلاَ تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 11-12].
إنَّ هذا كلَّه لَيَدلُّ على وجوب احترام المسلم، وهناك آياتٌ كثيرة يُفهَم منها هذا المعنى العظيم.
وأمَّا الأحاديث النبويَّة التي قرَّرت هذا المعنى فكثيرةٌ جدًّا:
• منها قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَدخُلوا الجنَّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أوَلاَ أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحابَبتُم؟ أفشوا السلام بينكم))؛ رواه مسلم برقم 54.
يدلُّ الحديث على أنَّ دُخول الجنَّة الذي هو مَطلَبُ كلِّ مؤمن متوقِّف على التحابِّ في الله بين المسلمين، وليس من شكٍّ في أنَّ الاحترام قرين المحبَّة.
• ومنها قولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((سبعةٌ يظلُّهم الله في ظلِّه يومَ لا ظل إلاَّ ظله: الإمام العادل، وشابٌّ نشأ في عبادة الله - عزَّ وجلَّ - ورجلٌ قلبه متعلِّق في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا على ذلك وتفرَّقا عليه، ورجلٌ دعَتْه امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تُنفِق يمينه، ورجلٌ ذكر الله خاليًا ففاضَتْ عَيْناه))؛ رواه البخاري برقم 660، ورواه مسلم برقم 1031.
فقد جعل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الحبَّ في الله سببًا من الأسباب التي تجعل مَن يتَّصف بها في ظلِّ الله يومَ لا ظلَّ إلا ظله.
وممَّا يدلُّ على وُجوب احترام المسلم تحريم الغِيبة، وقد ذكرنا الآية التي نصَّتْ على ذلك، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أتدرون ما الغِيبة؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((ذِكرُك أخاك بما يَكرَه))، قيل: أرأيت إنْ كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إنْ كان فيه ما تقول فقد اغتبتَه، وإنْ لم يكن فيه ما تقول فقد بهتَّه))؛ رواه مسلم برقم 2589.
• ومنها قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ المسلم على المسلم حرامٌ؛ دمه وماله وعرضه))؛ رواه مسلم برقم 2564.
• ومنها قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تباغَضُوا ولا تحاسَدُوا، ولا تدابَرُوا ولا تقاطَعُوا، وكُونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحلُّ لمسلمٍ أنْ يهجر أخاه فوق ثلاث))؛ رواه البخاري برقم 6065، ومسلم برقم 2559.
وهناك أمورٌ تُذكَر أنها من حق المسلم على المسلم، وكلُّها تدلُّ على وجوب احترام المسلم أخاه المسلم؛ سواء كان فقيرًا أو غنيًّا، وسواء كان قريبًا أم بعيدًا، وسواء كان وجيهًا أم ضعيفًا، وسأكتفي بذِكر بعضها فهي كثيرة:
1- من ذلك السلام عليه إذا لَقِيته.
2- ومنها ردُّ السلام عليه إذا ألقى عليك السلام.
3- ومنها إجابة دعوته إذا دَعاك.
4- وعيادته إذا مرض.
5- واتِّباع جنازته إذا مات.
6- وتشميته إذا عطس فحَمِدَ الله.
7- ونصيحته إذا استَنصَحك.
8- وإبرار قسمه إذا أقسم عليك.
9- ونصره إذا ظُلِمَ وكنت قادرًا على نصره.
عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((حقُّ المسلم على المسلم خمسٌ: ردُّ السلام، وعيادة المريض، واتِّباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس))؛ متفق عليه[2].
وعنه قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ: إذا لقيته فسلِّم عليه، وإذا دَعاك، فأجبه، وإذا استَنصَحك فانصَحْ له، وإذا عطس فحمد الله فشمِّته، وإذا مَرِضَ فعُدْه، وإذا مات فاتَّبعه))؛ رواه مسلم برقم 2162، وأحمد برقم 2/321، والبخاري في "الأدب المفرد" برقم 991.
وعن البراء بن عازب - رضِي الله عنه - قال: "نهانا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن سبعٍ (وذكرها) وأمَرَنا بسبع: بعِيادة المريض، واتِّباع الجنائز، وتشميت العاطس، ورد السلام، وإجابة الداعي، وإبرار المقسم، ونصر المظلُوم))؛ رواه البخاري برقم 5863.
واحترام المسلم يقتضي ألاَّ يتَكبَّر عليه أخوه المسلم ولا يحتقره، فقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يَدخُل الجنَّة مَن كان في قلبه مثقالُ ذرَّة من كبرٍ))، فقال رجل: إنَّ الرجل يحبُّ أنْ يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله جميلٌ يحبُّ الجمال، الكبرُ بطَر الحقِّ وغمْط الناس))؛ رواه مسلم برقم 91، وبطر الحق: دفْعه وردُّه على قائله، وغمط الناس: احتقارُهم.
• ويقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بحسْب امرئٍ من الشرِّ أنْ يحقر أخاه المسلمَ))؛ رواه مسلم برقم 2564.
والعجب ممَّن يدَّعِي التديُّن والعلم ويسمع هذه الأحاديث ويَعِيها، ثم يستَعلِي على عِباد الله، ويتكبَّر عليهم بما يقومُ به من العبادة، ويتَّهمهم بأفظع التُّهَم دون دليلٍ، وقد يرميهم بالفُسوق ويحتقرهم.
• يقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يرمي رجلٌ رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدَّت عليه إنْ لم يكن صاحبه كذلك))؛ رواه البخاري برقم 6045.
• ويقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ومَن لَعَنَ مؤمنًا فهو كقتْله، ومَن قَذَفَ مؤمنًا فهو كقتْله))؛ رواه البخاري برقم 6047.
• ويقول - صلوات الله وسلامه عليه -: ((إذا أكفَرَ الرجلُ أخاه فقد باءَ بها أحدُهما))، وفي روايةٍ: ((أيُّما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باءَ بها أحدُهما، إنْ كان كما قال وإلاَّ رجعَتْ عليه))؛ رواه مسلم برقم 60.
وعلى المسلم إذا سمع مثْل هذا الاتِّهام أو نحوه لمسلمٍ يعرف براءته من ذلك أنْ يُدافِع عن أخيه؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 16].
• وقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن ذَبَّ عن لحم أخيه بالغيب كان حقًّا على الله أنْ يعتقه من النار))؛ رواه أحمد 6/461.
وليس من خُلُقِ المسلم التكبُّر على عباد الله بما يعمَلُ من الطاعة، ولا أنْ يتألَّى على الله فيحكم لبعض الناس بالجنَّة ويحكم لبعضهم بالنار.
روى أبو داود بسنده إلى أبي هريرة - رضِي الله عنه - أنَّه قال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((كان رَجُلان في بني إسرائيل متواخيين؛ فكان أحدهما يُذنِب والآخَر مجتهدٌ في العِبادة، فكان لا يَزالُ المجتهد يرى الآخَر على الذنب فيقول: أقصِرْ، فوجَدَه يومًا على ذنبٍ فقال له: أقصِرْ، فقال: خلِّني وربِّي، أبُعِثتَ عليَّ رقيبًا، فقال: والله لا يغفر الله لك، أو: والله لا يُدخِلك الله الجنَّة، فقبض أرواحهما فاجتَمَعا عند ربِّ العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت بى عالمًا أو كنت على ما في يدي قادرًا، وقال للمذنب: اذهَبْ فادخُل الجنَّة برحمتي، وقال للآخَر: اذهبوا به إلى النار))، قال أبو هريرة - رضِي الله عنه -: والذي نفسي بيده لتكلَّمَ بكلمةٍ أوبَقتْ دُنياه وآخِرَتَه؛ رواه أبو داود برقم 4901، وأحمد 2/323، وقال العراقي: إسناده حسن.
وأخرج مسلمٌ حديثًا عن جندب بنحو حديث أبي هريرة، ونصُّه: عن جندب أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حدَّث أنَّ رجلاً قال والله لا يغفر الله لفلان، وإنَّ الله - تعالى - قال: مَن ذا الذي يتألَّى عليَّ ألاَّ أغفر لفلان، فإنِّي قد غفرت لفلانٍ وأحبطت عملك"؛ رواه مسلم برقم 2621.
هذا، وقد ذهب عُلَماؤنا إلى أنَّه لا يجوز أنْ نحكم لأحدٍ بأنَّه من أهل الجنَّة أو من أهل النار إلا بنصٍّ وَرَدَ عن المعصوم - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ولا مانع من أن نرجو لِمَن نظنُّ فيه الخير أنْ يكون من أهل الجنَّة.
[1] أي: لا يعب بعضكم بعضًا.
[2] البخاري 1240، ومسل